وثّقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ما لا يقل عن 203 حالات احتجاز تعسفي في سوريا، بينهم 8 أطفال و5 سيدات، خلال شهر آذار الماضي، مؤكدة أن النظام السوري “مستمر بانتهاك قرار محكمة العدل الدولية”.
وفي تقرير لها، قالت الشبكة إن “استمرار عمليات الاعتقال التعسفي سبب ارتفاعاً في حالات اختفاء أعداد هائلة من المواطنين السوريين والذي أصبح بمثابة ظاهرة، لتكون سوريا من بين البلدان الأسوأ على مستوى العالم في إخفاء مواطنيها”.
وذكر التقرير أن النظام السوري “يتفوق على كثير من الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية بأنه صاحب سلطة مطلقة على السلطتين التشريعية والقضائية، مما مكنه من إصدار ترسانة من القوانين والمراسيم التي تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان كما تنتهك مبادئ القانون ومحددات الاعتقال والتحقيق في التشريعات المحلية ودستور عام 2012 الحالي”.
وأضاف أن النظام السوري “شرعن جريمة التعذيب، فعلى الرغم من أن الدستور السوري الحالي، يحظر الاعتقال التعسفي والتعذيب، إلا أن هناك نصوصاً قانونية تعارض ذلك بشكل صريح، وتشرعن الإفلات من العقاب”.
حالات الاحتجاز تفوق حالات الإفراج
وسجل تقرير الشبكة، في آذار الماضي، ما لا يقل عن 203 حالات اعتقال واحتجاز تعسفي، بينها 8 أطفال و5 سيدات، تحول 168 منها إلى حالات اختفاء قسري.
وقال التقرير إن توزع حالات الاعتقال التعسفي كانت 91 منها على يد قوات النظام السوري، بينهم 2 سيدة، و64 بينهم 8 أطفال و2 سيدة على يد “قوات سوريا الديمقراطية”، فيما سجل التقرير 9 حالات على يد “هيئة تحرير الشام”، و39 حالة على يد جميع فصائل المعارضة السورية، بينهم سيدة واحدة.
وأظهر تحليل البيانات أن الحصيلة الأعلى لحالات الاعتقال التعسفي كانت من نصيب محافظة حلب، تليها دير الزور، تليها ريف دمشق، ثم دمشق، ثم حمص، ثم الرقة ثم درعا والحسكة.
كما استعرض التقرير مقارنة بين حصيلة حالات الاحتجاز التعسفي وحالات الإفراج من مراكز الاحتجاز لدى أطراف النزاع في آذار، مشيراً إلى أن حالات الاحتجاز التعسفي تفوق حالات الإفراج من مراكز الاحتجاز، إذ لا تتجاوز نسبة عمليات الإفراج 30 % وسطياً من عمليات الاحتجاز المسجلة.
وتفوق عمليات الاحتجاز بما لا يقل عن مرة أو مرتين عمليات الإفراج وبشكل أساسي لدى النظام السوري، مما يؤكد أن عمليات الاعتقال والاحتجاز هي “نهج مكرس”، وأن عمليات الإفراج محدودة، لدى جميع أطراف النزاع، وبشكل رئيس في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري.
إفراجات خارج “مرسوم العفو”
من جانب آخر، سجل التقرير إفراج النظام السوري عن شخص واحد، تم الإفراج عنه من المجمع الحكومي في مدينة درعا، فيما رصد التقرير إخلاء قوات النظام السوري سبيل ثلاثة أشخاص من محافظتي حماة ودمشق، أفرج عنهم من مراكز الاحتجاز في محافظة دمشق، وذلك بعد انتهاء أحكامهم التعسفية.
ولم يرتبط الإفراج عن هؤلاء بمراسيم العفو الصادرة خلال السنوات الماضية، وكانوا قد قضوا في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري مدة وسطية تتراوح ما بين عام واحد حتى أربعة أعوام.
كما سجل التقرير الإفراج عن 13 شخصاً، بعد مضي أيام قليلة أو أشهر على اعتقالهم، وذلك من دون أن يخضعوا لمحاكمات، وكان معظمهم من أبناء محافظات حمص والسويداء ودرعا، أمضى معظم المفرج عنهم مدة احتجازهم ضمن الفروع الأمنية.
ووفقاً للتقرير، أفرجت “قوات سوريا الديمقراطية” عن 21 شخصاً من مراكز الاحتجاز التابعة لها، تراوحت مدة احتجازهم ما بين أيام عدة حتى ستة أعوام، وكان معظمهم من أبناء محافظتي دير الزور وحلب، ومعظمهم أفرج عنهم بعد وساطات عشائرية أو بعد انقضاء مدة سجنهم الواردة في أحكامهم.
كما أفرجت “هيئة تحرير الشام” من مراكز الاحتجاز التابعة لها في محافظة إدلب عن 18 شخصا، تراوحت مدة احتجازهم ما بين أيام عدة حتى ستة أشهر، دون توجيه تهم واضحة لهم.
وأفرجت فصائل المعارضة المسلحة عن 12 شخصاً، بينهم سيدة واحدة، من مراكز الاحتجاز التابعة لها، بعد احتجازهم مدة تتراوح ما بين أيام عدة حتى عام واحد، دون توجيه تهم واضحة لهم أو إخضاعهم لمحاكمات، وتم الإفراج عن معظمهم بعد تعريض ذويهم لعمليات ابتزاز مادية مقابل الإفراج عنهم.
النظام السوري مستمر بانتهاك قرار العدل الدولية
واعتبر تقرير الشبكة السورية أن قضية المعتقلين والمختفين قسراً “من أهم القضايا الحقوقية، التي لم يحدث فيها أي تقدم يذكر، على الرغم من تضمينها في قرارات عدة لمجلس الأمن وقرارات الأمم المتحدة، وفي بيان وقف الأعمال العدائية في شباط 2016، وفي قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
وأكد التقرير أن النظام السوري “لم يفِ بأي من التزاماته في أي من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صدّق عليها، وبشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنه أخل بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، حيث استمر في توقيف مئات آلاف المعتقلين دونَ مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تهم، وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية، وتحول قرابة 68 % منهم إلى مختفين قسرياً”.
وأشار التقرير إلى أنه وفقاً لحالات الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري الموثقة في سوريا من قبل قوات النظام السوري “فلا يوجد لدينا أي مؤشر ينفي استمرار النظام السوري في عمليات التعذيب، أو قيامه بأدنى الإجراءات كاستجابة لقرار التدابير المؤقتة الصادر عن محكمة العدل الدولية، منذ صدوره في 16 تشرين الثاني الماضي”.
كما يستمر النظام السوري باحتجاز ما لا يقل عن 135638 شخصاً، لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري، ويعانون من التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة له، “ما يؤكد استمرار انتهاك النظام السوري بشكل واضح لبنود اتفاقية مناهضة التعذيب، التي صدّقت عليها سوريا في العام 2004، ولم يفِ بالتزاماته بموجب الاتفاقية”.
لجنة خاصة حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري
وشدد التقرير على “ضرورة تشكيل الأمم المتحدة لجنة خاصة حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري، والتقدم في عملية الكشف عن مصير قرابة 102 ألف مختف في سوريا، 85 % منهم لدى النظام السوري، والبدء الفوري بالضغط على الأطراف جميعاً من أجل الكشف الفوري عن سجلات المعتقلين لديها، وفق جدول زمني”.
وأكد تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنه “في تلك الأثناء لا بد من التصريح عن أماكن احتجازهم، والسماح للمنظمات الإنسانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم مباشرة”، مشدداً على “ضرورة إطلاق سراح الأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى وكبار السن، والتوقف عن اتخاذ أي من المعتقلين كرهائن حرب”.