أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها السَّنوي الثالث عشر من بعد انطلاق الحراك الشعبي – آذار 2011، والذي حمل عنوان “الانتقال السياسي والتحول نحو الديمقراطية السبيل الوحيد لإيقاف الانتهاكات في سوريا”.
ورصدَ التقرير أبرز انتهاكات حقوق الإنسان على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في عام 2023. وفي مقدمتها، مقتل 1032 مدنياً بينهم 181 طفلاً و119 سيدة (أنثى بالغة)، و59 ضحايا بسبب التعذيب، و2317 حالة اعتقال/ احتجاز تعسفي، إضافةً إلى قرابة 195 ألف مشرد قسرياً.
قال التقرير إن سوريا في عام 2023 ظلت تعاني من ندوب النزاع المسلح الذي طال أمده، وأثر بشكل كارثي على حياة ملايين السوريين. وعلى مدى السنوات الماضية ارتكبت مختلف أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا أنماطاً عدّة من الانتهاكات، وإن كثيرا منها ما زال مستمراً، وإن النظام السوري لا يزال أكبر مرتكب للعديد منها مقارنةً مع بقية الأطراف. كل تلك الانتهاكات خلَّفت أوضاعاً كارثية لحالة حقوق الإنسان في سوريا، من قتل، واعتقال تعسفي وإخفاء قسري، وتشريد قسري، وتعذيب، ونهب أراضٍ وممتلكات، وفلتان أمني أدى إلى عمليات اغتيال وقتل عبر التفجيرات عن بعد، وغير ذلك من أنماط الانتهاكات.
كمّ ضخم من الانتهاكات على مدى ثلاثة عشر عاماً
وكان من اللافت في هذا العام – وفقا للتقرير – عودة العمليات العسكرية بشكل واضح، وبتصعيد هو الأعنف منذ نحو عامين من قبل قوات الحلف السوري الروسي على مناطق في شمال غربي سوريا، خاضعة لاتفاق وقف إطلاق نار منذ عام 2020.
وبحسب التقرير فإنَّ الأثر التراكمي لكمٍّ ضخم جداً من الانتهاكات التي ارتكبت في سوريا على مدى ثلاثة عشر عاماً يتعاظم عاماً بعد عام، وقد تجلى في تدهور مطرد للوضع المعيشي والأمني على طول الجغرافيا السورية، كما انعكس على الاقتصاد، الذي تداعى بشكل إضافي وضخم جداً مقارنةً مع العام السابق 2022 والذي قبله 2021.
لاحظ التقرير استمراراً لانتهاكات حقوق الإنسان في عموم سوريا خلال عام 2023، وذكر أنها تتجلى بأشكال عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: الضحايا المدنيون والهجمات المستهدفة، حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، التعذيب، الهجمات على المراكز الحيوية.
“تقرير بمنزلة وثيقة تاريخية”
يقول فضل عبد الغني المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان: “يُعدُّ هذا التقرير بمنزلة وثيقة تاريخية تسجل ما تعرض له الشعب السوري من انتهاكات فظيعة، وفي الوقت ذاته هو تذكير بصمود الشعب السوري وإصراره على الاستمرار بالمطالبة بحقوقه المشروعة من انتقال سياسي، وتؤكد نتائج التقرير صعوبة تحقيق ذلك دون إجراءات دولية متضافرة”.
وقال التقرير إنه يهدف إلى تقديم لمحة عميقة عن حالة حقوق الإنسان في سوريا خلال عام 2023، مع تسليط الضوء على الانتهاكات المستمرة، والحاجة الملحة إلى حل سياسي، وغيرها من القضايا الحاسمة التي تؤثر على الشعب السوري.
“أحداث مفصلية في عام 2023”
وفي هذا السياق قدَّم التَّقرير حصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في عام 2023، وعقدَ مقارنات بين أبرز أنماط الانتهاكات التي سجلها في هذا العام وسابِقه 2022. كما أوردَ أبرز ما يميز الوضع العام في سوريا، وتضمَّن أحداثاً مفصلية سياسية وحقوقية وعسكرية حدثت في عام 2023 ليعطي صورة أوضح عن سياق الأحداث التي وقعت خلالها الانتهاكات. وقدَّم سرداً لأبرز الوقائع على الصعيد السياسي والعسكري والحقوقي، والتحقيقات المتعلقة بالشأن السوري.
كما تطرق إلى مسار المحاسبة لافتاً إلى أن الخطوات المتخذة في هذا المسار لا تزال أقلَّ من الحدود المرجوة لردع مرتكبي الانتهاكات ومحاسبتهم، وأشارَ إلى دور الشبكة السورية لحقوق الإنسان في دعم هذا المسار، وقال إنها أصدرت في عام 2023 قرابة 75 تقريراً ونشرت قرابة 856 خبراً، تناولت فيها أنماطاً متعددة لأبرز انتهاكات حقوق الإنسان واستندت هذه التقارير على قرابة 304 شهادات لضحايا تعرضوا لمختلف أنماط الانتهاكات، أو لـمُصابين أو ناجين من الهجمات، أو مسعفين، أو عمال إشارة مركزية أو ذوي ضحايا، وجميع هذه الشهادات قد تمَّ الحصول عليها عبر حديث مباشر مع الشهود، وليست مأخوذة من مصادر مفتوحة.
توثيق مقتل 1032 مدنياً في 2023
وفقاً لقاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان في عام 2023، فقد تم توثيق مقتل 1032 مدنياً بينهم 181 طفلاً و119 سيدة (أنثى بالغة) على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، قتل منهم النظام السوري 225 مدنياً بينهم 57 طفلاً، و24 سيدة، وارتكب 5 مجازر. في حين قتلت القوات الروسية 20 بينهم 6 أطفال، و5 سيدات، وارتكبت مجزرة واحدة. وقتل تنظيم داعش مدنياً واحداً، في حين قتلت هيئة تحرير الشام 16 بينهم طفلان و5 سيدات. وسجَّل التقرير مقتل 17 مدنياً، بينهم 5 أطفال، وسيدة واحدة على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني. كما سجل قتل قوات سوريا الديمقراطية 74 مدنياً بينهم 9 أطفال، و10 سيدات. وسجل قتل 5 مدنيين على يد قوات التحالف الدولي. وسجَّل التقرير مقتل 674 مدنياً بينهم 102 طفل، و74 سيدة على يد جهات أخرى، وارتكاب ما لا يقل عن 14 مجزرة.
2317 حالة اعتقال تعسفي
بحسب التَّقرير فقد بلغت حصيلة حالات الاعتقال/ الاحتجاز التَّعسفي في عام 2023 قرابة 2317 حالة بينها 129 طفلاً و87 سيدة (أنثى بالغة)، بينها 1063 بينهم 24 طفلاً، و49 سيدة على يد قوات النظام السوري، و248 على يد هيئة تحرير الشام بينهم 4 أطفال و7 سيدات. و365 بينهم 10 أطفال، و25 سيدة على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، و641 بينهم 91 طفلاً، و6 سيدات على يد قوات سوريا الديمقراطية.
وجاء في التَّقرير أنَّ ما لا يقل عن 59 شخصا قتلوا بسبب التَّعذيب في عام 2023، يتوزعون على النحو الآتي: 34 على يد قوات النظام السوري، بينهم طفل وسيدة، و10 أشخاص بينهم طفل على يد قوات سوريا الديمقراطية، و3 على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، و8 أشخاص بينهم سيدة على يد هيئة تحرير الشام، و4 أشخاص على يد جهات أخرى.
وركَّز التقرير على أبرز الانتهاكات التي وقعت ضدَّ الكوادر الطبية والإعلامية، حيث قال إن حصيلة الضحايا الذين قتلوا من الكوادر الطبية بلغت 4 بينهم سيدة، وجميعهم قتلوا على يد النظام السوري. في حين سجَّل مقتل 3 من الكوادر الإعلامية، بينهم 1 على يد قوت النظام السوري و2 على يد جهات أخرى.
طبقاً للتقرير فإنَّ ما لا يقل عن 206 حوادث اعتداء على مراكز حيويَّة مدنيَّة ارتكبتها أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في عام 2023، من بينها 142 على يد قوات النظام السوري، و6 على يد القوات الروسية، كما ذكر أن هيئة تحرير الشام ارتكبت حادثة اعتداء واحدة، في حين ارتكبت جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني حادثة واحدة وقوات سوريا الديمقراطية 48 حادثة، وسجّل التقرير 9 حوادث اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد جهات أخرى.
وثَّق التقرير في عام 2023 هجوماً واحداً بذخائر عنقودية نفذته قوات النظام السوري في محافظة إدلب، وقد تسبَّب هذا الهجوم في مقتل ما لا يقل عن مدني واحد، وإصابة قرابة 8 آخرين. كما وثق ما لا يقل عن 8 هجمات بأسلحة حارقة، كانت جميعها على يد قوات النظام السوري، وتسببت في إصابة 3 مدنيين.
وقال إن قرابة 195 ألف شخص قد تعرضوا للتشريد القسري في عام 2023، نتيجة العمليات العسكرية لأطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، من بينهم 152 ألف؛ نتيجة للعمليات العسكرية لقوات الحلف السوري الروسي.