صعق بالكهرباء رغم البراءة.. مأساة شابة سورية في سجون النظام (مقابلة)

2019صعق بالكهرباء رغم البراءة.. مأساة شابة سورية في سجون النظام (مقابلة)

بعد 9 أشهر من الاعتقال في سجون النظام السوري، قضت محكمة ببراءة نور الخطيب (27 عاما) ابنة مدينة حماة (شمال).

لكن عند الإفراج عنها، وبزعم وجود تقرير أمني بحقها، اعتقلها فرع أمني آخر في مدينة حمص (وسط)؛ حيث عذبوها صعقًا بالكهرباء.

نور قالت، في مقابلة مع الأناضول: “أدرس حاليًا في معهد العدالة بتركيا.. متزوجة من ناشط حقوقي، ولدي صبي وبنت”.

استرجعت نور تجربتها المريرة: “بينما كنت طالبة اعتُقلت في كمين أمني بمنطقة صلاح الدين في حماة، في 3 نيسان (أبريل) عام 2012”.

وأرجعت السبب إلى “نشاطي السياسي المرتبط بالجانب الطبي، عبر إسعاف الجرحى في المرحلة الأولى من الثورة (بدأت عام 2011 ضد نظام بشار الأسد، وكذلك تنظيم مظاهرات؛ لأنني كنت عضوة في تنسيقية حي باب القبلي”.

وتابعت: “بعد أشهر من الثورة تعرضت لملاحقات إلى حين اعتقالي.. أحد أصدقائنا المعتقلين تم التحقيق معه، قبل أيام، ليتم استدراجنا.. اعتُقلت من قبل فرع الأمن العسكري في حماة، وبقيت فيه عشرة أيام في السجن الانفرادي”.
عن فترة الاعتقال، قالت نور: “اعتُقلت تسعة أشهر، وأصعب فترة هي الاحتجاز في (الزنزانة) المنفردة.. فترة قاسية من دون تحقيق لمدة أربعة أيام، فقط (زنزانة) منفردة تفتح وقت الطعام.. المنفردة في فرع الأمن العسكري كانت منفردة وتواليت بداخلها، ولا يمكن الخروج من المكان”.

وتابعت: “هي أصعب مرحلة، لأنك تواجه المجهول، كنا نسمع تجارب أصدقائنا، فنخاف من التعذيب، فنفضل القتل على التعذيب”.

وأوضحت أن “المنفردة كانت غرفة صغيرة، متر× متر، وهي مظلمة لا يُعرف منها الليل والنهار.. 4 أيام دون تحقيق، والطعام كان بطاطا أو أرز بخبزة مرتين يوميًا.. كانت المنفردة رطبة متسخة لون جدرانها بني”.

وزادت بقولها: “وقت يدخل المنفردة ضوء كنت أجد كتابات وأسماء معتقلين سابقين.. أحدهم يعد الأيام.. بعد 4 أيام بدأ التحقيق معي، وربما هذه الفترة تُمنح لإتاحة الفرصة للمعتقل كي يفكر ويقلق من المجهول للاعتراف فورًا”.

** تحقيق وضرب

بشأن أسلوب التعامل معها خلال التحقيقات، قالت نور: “حقق معي أربعة محققين لم أشاهدهم سوى في آخر جلسة قبل الترحيل إلى دمشق، عندما رفعوا الغطاء عن عيني”.

وتابعت: “خضعت لخمس جلسات تحقيق، والتعذيب كان عبارة عن ضرب، أعتقد أنه تعذيب أخف مقارنة بالآخرين، ودرجة التهديد والوعيد كانت كبيرة”.

وأردفت: “كان هناك شبيح (عنصر في قوات خارج القانون داعمة للنظام)، مهمته فقط هي توجيه ضربات لمن يخضع للتحقق.. كل جلسة كانت تمتد من ساعة إلى ساعتين، آخر جلستين لا علاقة لهما بالاعتقال: لماذا خرجتم بالثورة، وما هي مطالبكم، ولماذا تقتلون قوى الأمن (؟).. كنت أحاول الإجابة بحيث لا أثير غضب المحقق، كنت أسمع أصوات المعتقلين يُعذبون أمام المنفردة التي كنت بها”.
المعتقلة السورية السابقة روت مَآسٍ عاشتها آخريات التقت بهن في سجن حمص الذي نُقلت إليه.

نور قالت إن معتقلة “كانت في حالة تشويش كبيرة، كانت تحكي القصة كل مرة بشكل مختلف؛ بسبب التعذيب الظاهر عليها وجرح عميق برأسها، حاولنا معالجتها، لكن لا خدمة طبية”.

وزادت: “كانت جروحها شديدة.. عبارة عن طعنات.. كانت زوجة ناشط، ويبدو أنهم كانوا يريدون الضغط عليه، حيث اعتقلت لأيام في طرطوس (على ساحل البحر المتوسط) من قبل الشبيحة ومن ثم سُلمت إلى الأمن”.

وأردفت: “كانت فاقدة لتركيزها وذاكرتها مشوشة، بقيت شهرًا ثم أُخلي سبيلها.. بعد 10 أيام وصلني خبر مقتلها من قبل أهلها، الذين لم يتحملوا حالتها”.

وثمة معتقلة ثانية، وهي “سيدة من إدلب (شمال)، متزوجة في حمص، تعرضت لاغتصاب، خُطفت من أمام منزلها من الحاجز العسكري، تعرضت للاغتصاب من عناصر الحاجز، ثم سُلمت إلى الأمن العسكري على اعتبار أنها تتعامل مع مسلحين”، بحسب نور.

مأساة ثالثة روتها نور، وهي لـ”طفلة من منطقة تلكلخ الحدودية (في حمص) مع لبنان، عمرها 15 عامًا، اعتقلت وتعرضت لاغتصاب في الأمن الجوي”.

وتابعت: “وصلت بحالة مزرية، وكانت تجلس بجانب الباب.. بعد ثلاثة أيام لم تختلط، فحاولت مساعدتها، لا تعرف ماذا حصل معها وأين هي، وتواصلنا مع أمها التي صدمت مما حصل معها، وحاولت رعاية ابنتها، وكانت إيجابية”.

** رضيع سجين

كما روت نور مأساة “سيدة في سجن حمص، اعتُقلت بعد فترة من زواجها وكانت حامل.. كانت مع زوجها عندما اعتُقلت، وبقيت لموعد الولادة، وعنما حان الطلق طلبنا إسعافًا.. لم يستجيبوا لنا فورًا، وبعد ساعتين أخذوها، لتغيب ساعتين بالمشفى العسكري، ولدت وعادت مع طفل ملفوف ببطانية صغيرة”.

وأضافت أن الطفل شكل حالة أمل للسجينات: “كنا مستعدين بتحضيرات بسيطة للمولود، فأعطانا روحًا وحيوية مع حرقة كبيرة، فلا نريد أن يفتح عيونه ويشم رائحة السجن، كنا نحاول رعايته ومساعدة الأم، ووضعها النفسي الصعب، بعيدًا عن أهلها وزوجها”.

وأردفت: الطفل “بقي لعمر ستة أشهر نهتم به ونرعاه، وبعدها أُفرج عنه هو وأمه، فحزنا لأننا نشعر بأنه ابننا (…) فرحنا وحزنا بنفس الوقت، كل متزوجة كانت تعوض شوقها لأهلها بهذا الطفل كذكرى جميلة”.
عن خروجها من السجن، قالت نور: أضربت عن الطعام بسبب محاكمتي عسكريًا، وتواجدي هنا بينما زملائي في محاكم مدنية، وفي النهاية خرجت بريئة، ووصل القرار إلى السجن”.

واستدركت: “عندما كنت استعد للخروج وتوديع المعتقلات، وأهلي ينتظرون على الباب، جاءت سيارة من الأمن الجوي، نزل منها ضابط، وقال: عليك تقرير (أمني) ننظر بأمره”.

وتابعت: “صُدمت أمي، وذهبت في حالة نفسية سيئة، وبعد دخولي قلت للمحقق: إفعل ما تريد، لي سنة معتقلة.. عندها صرخ المحقق، ووضع غطاء على عيني.. اعتُقلت بسبب تقرير مكتوب عني وأنا في السجن، أصبح هناك احتدادا، وتعرضت للتعذيب بالصعق الكهربائي”.

وزادت بقولها: “كان التعذيب صعبًا لا تشعر به إلا عندما تعود إلى الزنزانة، تشعر بالكهرباء تسير مع دمائك، وترتجف اليدان ويتخدر الجسم.. بقيت ثلاثة أيام لم آكل أي لقمة، وفي الثالث أُفرج عني”.

واستطردت: “خرجت عصرًا، ومحطة الحافلات مغلقة وأحياء حمص فيها اشتباكات، خرجت من دون أي نقود ولم يُسمح لي بإجراء اتصال مع أهلي في مدينة لا أعرف بها أحدًا، وليست لدي هوية”.

وختمت بقولها: “خرجت مشيًا وأخبرت أهلي، وكان صعب قدومهم، أوصلني أحدهم إلى بداية مدينة حماة، فالذهاب كان فيه مخاطرة”.

وحاليًا، تعمل المعتقلة السابقة مع الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وتركز على التواصل مع المعتقلين والمعتقلات، وتأسيس قاعدة بيانات، لنقل تلك المآسي إلى مختلف أرجاء العالم، تمامًا كما تنقل الأناضول في هذه المقابلة ما تعرضت له نور من تعذيب في سجون النظام السوري.

وكالة الأناضول