قتل الرّوس بطائراتهم 3264 مدنياً بعد عام من تدخلهم في سوريا، بين الضحايا 911 طفلاً و619 سيدة، منذ بداية التدخل الروسي في سوريا في 30 أيلول 2015، بحسب توثيقات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي أكدت أن الروس ارتكبوا 169 مجزرة خلال هذه الفترة.
وقال فضل عبد الغني، مدير الشبكة في حديثٍ لـ “كلنا شركاء” إن هناك نمطية في عمليات القصف الروسي للمستشفيات والكوادر الطبية، والهدف الرئيس هو ايقاع أكبر إيذاء وألم للمجتمع كله، لأن الجرحى لن يجدوا من يعالجهم، وقسم كبير منهم سوف يبقى يتألم ببطء أمام أهله وأصدقائه، وهذا إرهاب للمجتمع لا نظير له، على حدّ تعبيره.
ونوه عبد الغني إلى أن عدد المدنيين السوريين الذين قتلتهم روسيا خلال عامٍ واحدٍ بداعي محاربة الإرهاب، فاق عدد المدنيين الذين قتلهم تنظيم “داعش” منذ اليوم الأول لإعلان تمدده إلى سوريا في نيسان/أبريل من العام 2013.
وتؤكد الشبكة في تقاريرها على أنها استندت في توثيقاتها إلى عمليات المراقبة والتوثيق اليومية، إضافة إلى الحديث مع ناجين من الهجمات أو مع أقرباء للضحايا أو مع شهود عيان على الحوادث.
وفي حديثه مع “كلنا شركاء” استعرض فضل عبد الغني مآلات التدخل الروسي وتداعياته، وتأثير هذا التدخل على مستقبل العلاقة بين البلدين، وإمكانية محاكمة روسيا على جرائمها في المحافل الدولية، وأيضاً نقاط أخرى في هذا الحوار:
بعد عام من التدخل الروسي المباشر في سورية، هل هذا التدخل يعد شرعياً؟ وما هي أبرز تداعيات الجرائم الروسية على علاقتها مع الدولة السورية المستقبلية؟
صحيح أن التدخل الروسي جاء بطلب من الحكومة السورية، وهي حكومة مازالت تحظى بشرعيتها في الأمم المتحدة، بالرغم من ارتكابها عشرات آلاف الجرائم التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وبالتالي فإن التدخل الروسي يُعتبر شرعياً من الناحية القانونية، وهنا يوجد جدل بين القانونيين هل فقد النظام السوري شرعيته باعتباره ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد الشعب الذي يحكمه والذي من المفترض أن يحميه؟، وماذا عن شرعيته في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي مازال يحضر اجتماعاتها، فالأمم المتحدة مازالت تتعامل معه بجميع مؤسساتها، ومازالت سفاراته معتمدة لدى عدد كبير من الدول، ومن ناحية أخرى، هل يعتبر ما قامت به القوات الروسية من مئات الجرائم التي ترقى لجرائم الحرب تجاوزا لحدود التدخل الذي من المفترض به حماية النظام من الإرهابيين على حد زعمه، كونها تقصف وتقتل مدنيين كما وثقنا ذلك في 23 تقرير منذ بداية تدخلها حتى الآن، هذا جدل واسع في الحقيقة، وأعتقد أننا بحاجة إلى ورشة نقاش مع قانونيين دوليين لتحديد ذلك.
على المدى الاستراتيجي بكل تأكيد لقد خسرت روسيا أيه مودة كانت متبقية لهم في قلوب السوريين، وبرأيي ليس فقط بعد 30 أيلول 2015 بل منذ بدايات الانتفاضة الشعبية في أذار 2011 عندما أعلنوا اصطفافهم المطلق والأوحد إلى جانب نظام الأسد، برروا أفعاله وقدموا له 4 فيتو متوالية، لكن النقمة الشعبية تضاعفت بعد أن قتل الشعب السوري بشكل مباشر عبر قواتهم، وبرايي أن الروس يدركون ذلك تماما، ولهذا فهم حريصون على ألا يرحل النظام، وألا يكون هناك تسوية عادلة، بل إما أن يبقى النظام بشكل كامل، أو يكون هناك تسوية يكون للنظام فيها الحصة الأعظم، وبعد التسوية سوف يستمرون في التدخل ودعم الحصة الأكبر المتبقة للنظام، من أجل الحفاظ على مصالحهم، فيما عدا ذلك، لا أعتقد إن سقط النظام بشكل كلي أو جزئي إلا أن الاستثمارات والعلاقات الثقافية والسياحية ستتدهور بشكل رهيب، بل ستكون أهدافا لردود فعل مئات من العائلات السورية الذين قتل ودمر منازلهم على يد القوات الروسية.
ذكرتم في أحد تقاريركم أن روسيا باستهدافها المدنيين العزل، تنتهك أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، ووصفتم في تقريركم ان هذا العمل يرتقي إلى جرائم الحرب، هل هناك أمل في محاسبة المجرمين مستقبلاً؟
نحن كحقوقيين ندعم بكل قوة مبدأ محاسبة جميع المجرمين، من ضمن المجرمين النظام الروسي، بإمكان الحكومات السورية اللاحقة محاسبة النظام الروسي وفتح تحقيقات، وطلب تعويضات، جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، ربما لن تتمكن الحكومة السورية الأولى بعد انتهاء النزاع من اتخاذ هكذا قرار، لكننا سنبقى نضغط ونتابع الحكومات اللاحقة ونذكرهم بمسؤولياتهم تجاه الضحايا، وبالتأكيد فسوف تكون هناك عقبات ومساومات وضغوطات دولية من قبل روسيا وحلفائها لإلغاء ذلك، وقد تحصل تسويات، والتاريخ علمنا ذلك في تجارب سابقة، لكن امكانية المحاسبة موجودة ومتوفرة دوما، ويجب علينا ألا ننسى حقوق الضحايا مطلقا.
استهداف المدنيين والكوادر الطبية، هل هو عن سابق تخطيط روسي أم ان معطيات القصف تحصل عليها القوات الروسية من جانب قوات النظام؟
لاحظنا انه في كثير من حالات الاستهداف كانت متعمدة، يبدو أن هناك تنسيق بين العمليات الجوية بين قوات النظام والقوات الروسية، وبالتأكيد فهناك تبادل لمعلومات استخباراتية، ما يهم هو أن النظام يقصف ويقتل بشكل متعمد، والقوات الروسية أيضا، الفرق أن القصف الروسي أكثر قسوة، وعنفا، ودقة في استهداف المستشفى ومركز الدفاع المدني.
هل عملية استهداف الكوادر الطبية عملية ممنهجة تقوم بها قوات النظام والقوات الروسية معاً، ولماذا يتم استهداف تلك الكوادر او النقاط الطبية، وهل لديكم إحصائيات دقيقة لما تبقى من الكوادر الطبية العاملة على الأرض؟
نعم، هناك نمطية في عمليات قصف المشافي والكوادر الطبية، والهدف الرئيس هو ايقاع أكبر إيذاء وألم للمجتمع كله، لأن الجرحى لن يجدوا من يعالجهم، وقسم كبير منهم سوف يبقى يتألم ببطء أمام أهله وأصدقائه، وهذا إرهاب للمجتمع لا نظير له، ويهدف إلى إرسال رسالة أنه لا توجد خطوط حمر، سنقتلكم جميعا، عليكم الهجرة والاستسلام، ستجرحون ولن تجدوا حتى من يسعفكم، وهذا القصف هو من أشنع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، قصف الأعيان المشمولة بالرعاية، وما تبقى من كوادر طبية هو أقل من 15% مما كان موجودا بشكل عام، لكن معرفة أعداد الكوادر الطبية العاملة بدقة أمر صعب، وما هو مؤكد أننا نعلم تماما أن هناك كثير من الاختصاصات الطبية لم تعد موجودة، وأن ما تبقى لا يغطي هذا السيل الهادر من كميات الجرحى والمصابين الذين يتساقطون يوميا، بحجم وأعداد هائلة.
أيضا الاستهداف لا يتناول الكوادر الطبية، بل المدنيين ايضاً، لماذا استهداف المدنيين والتجمعات السكنية، علماً أن القوات الروسية وقوات النظام تعلم انها مواقع مدنية؟
الهدف البعيد من قتل المدنيين هو إرغام المتبقين منهم على الهجرة أو أن مصيركم سيكون الموت، القصف والقتل والجرحى هي بهدف تسليم المناطق، وخروج أهلها، واحلال النظام السوري والروسي فيها، هي عملية تهجير قسريـ تؤتي نتائجها عبر تراكم الأيام عبر تراكم عمليات القصف والتدمير والقتل، فالنتيجة هي فرار السكان، ليس خوفا، لقد صمدوا كثيرا، ومازالوا، لكن في كثير من الأحيان، باتوا جميعا يعلمون أن أحدا لن يحميهم، وبرأيي أن هناك أهداف متعددة، وأن هذا أبرزها، وهناك طبعا معاقبة الحاضنة الشعبية التي من أبنائها خرج من يقول لا لنظام الأسد، كفاحا سلمي، ثم كفاحا مسلحا.
مع استمرار المعارك والمجازر، تزداد حالة النزوح والهجرة من سوريا، هل لديكم إحصائيات لعدد السوريين الذين غادروا الأراضي السورية منذ عام 2011؟
ليست المعارك هي السبب الرئيس للتهجير، بل المجازر أولا، وتدمير المنازل والمحلات والمصانع وغيرها ثانيا، والاعتقال التعسفي والاخفاء القسري، وأيضا دخول ميليشيات إسلامية متطرفة، وميليشيات حزب الاتحاد الدمقراطي الكردي، كل هذا دفع ما لا يقل عن 7 مليون شخص للهروب خارج سوريا وتحولوا الى لاجئين، بينما نزح قرابة 6 مليون آخرين داخل سوريا، المجموع 13 مليون أي قرابة نصف الشعب السوري حولهم بشار الأسد ما بين نازح ولاجئ.
القوات الروسية دخلت سوريا تحت إطار محاربة داعش، هل حاربت وقصفت تنظيم داعش بالقدر الذي قصفت به المدنيين والمعارضة؟
ادعى النظام الروسي أنه تدخل في سوريا لحماية الشعب السوري من إرهاب تنظيم داعش المتطرف، ومن وجهة نظرنا فإن المجتمع السوري يرحب بكل من يخلص بلاده من التنظيمات المتشددة، لكن بأساليب عملية حقيقة، وألا تكون مجرد شماعة لتبرير وأنسنة التدخل العسكري، فنحن لم نلمس حتى الآن أساليب جدية في حماية المجتمع السوري من التنظيمات المتطرفة لا من قبل القوات الروسية ولا من قبل قوات التحالف الدولي، وكل ما تم هو فعل عسكري دون حاضنة مجتمعية أولا، ودون حماية المدنيين السوريين من توحش النظام السوري وهذا هو المبرر والمستند الأساسي لوجود مثل هذه التنظيمات المتشددة.
وهنا يجب التنويه لأمر في غاية الأهمية وهو أن تنظيم داعش قد أعلن عنه في سوريا بتاريخ 9/نيسان/2013، بينما دخلت القوات الروسية لسوريا بتاريخ 30/أيلول/2015 أي بعد قرابة الثلاثة أعوام ونصف كمدة زمنية، وعلى الرغم من ذلك فقد فاقت حصيلة الضحايا المدنيين الذين قتلتهم القوات الروسية حصيلة الضحايا المدنيين الذين قتلهم تنظيم داعش، وهذا طبيعي لأن القوات الروسية تمتلك سلاح الطيران والصواريخ، وهي المتسبب الرئيسي في عمليات القتل.
من خلال مراقبتنا والتقارير التي أعددناها فإن 85% من الهجمات وقعت على مناطق سيطرة المعارضة ومعظمها على أحياء مدنية، وفقط 15% على مناطق داعش وأيضا معظمها على أحياء مدنية.
الهدف الاساسي هو القضاء على المعارضة السورية او إضعافها بالحد الاقصى، من أجل الابقاء على ثنائية (النظام-داعش).
الاختفاء القسري في سوريا مازال مستمر، هل هناك إحصائيات للاختفاء القصري، ولماذا يعمد النظام إلى اتباع أسلوب الاختفاء القسري؟
يتعدى أثر الاختفاء القسري الضحية ويمتدُّ إلى المجتمع عبر أثر لا ينتهي ولا يتوقف بل يزيد بمرور الزمن، وكنا أشرنا في تقرير سابق بعنوان “لا أثر”، فإن العذاب مستمر ويومي لأهالي الضحايا الذين لا يتمكنون ولو ليوم من الأيام فقدان الأمل أو نسيان ذويهم، وهذا يُبقي المجتمع في حالة من التفكك والإرهاب والخوف والعبرة المستمرة لمن لم تصبه حالة الاختفاء القسري، كما فعل قناصو النظام السوري باستهداف أفراد في المجتمع بغية إحداث إعاقة دائمة، لا بهدف القتل، وقد أشرنا إلى ذلك في تقرير صيد البشر.
عبر السنوات الستِّ الماضية استخدم النظام سلاح الإخفاء القسري لبثِّ الإرهاب والخوف بين جميع قطاعات المجتمع، لم تقتصر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري على النشطاء السياسيين أو المعارضين بل كانت هناك حملات عشوائية كثيرة طالت كبار السن والأطفال، ضمن عملية نزيف وتحطيم لركائز المجتمع السوري، وتزداد المعاناة عند الزوجات والأمهات والأطفال الذين يتحملون العبء الأكبر من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تقوم الحكومة السورية بتجريد المختفي قسرياً من وظيفته، وتوقف راتبه وجميع مستحقاته، وتمنع عائلته من حق التصرف في ممتلكاته كالميراث والمسكن وتجمِّد أموالهُ.
… http://www.all4syria.info/Arch