أكّد رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن النظام السوري وحلفاءه ارتكبوا أكبر نسبة من جرائم الحرب في سورية، لكنّه أشار إلى وجود أطراف أخرى تورّطت في مثل هذه الأفعال اللا إنسانية، وأكّد على أن الشبكة تمتلك أرشيفًا توثيقيًا، بإمكان المحاكم الدولية الاعتماد عليه في وقت لاحق؛ لمحاسبة المجرمين من كل أطراف النزاع في سورية، وأشار إلى أن انتهاكات النظام “منهجية وواسعة”، بينما انتهاكات المعارضة “ليست نمطية” ولا متكررة.
من أجرم بحق السوريين
وحول من انتهك أكبر جرائم الحرب والجرائم المُسجّلة ضد الإنسانية في سورية، قال فضل عبد الغني، رئيس ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في لقاء مع صحيفة (جيرون): “في بداية الانتفاضة الشعبية آذار/ مارس 2011، كان النظام السوري هو المرتكب الوحيد لانتهاكات حقوق الإنسان في سورية، ويشمل ذلك الجيش السوري الحكومي، وقوات الأمن، والميليشيات المحلية، والميليشيات الأجنبية، وهي شيعية التوجه بشكل أساسي، والآن مازال هو المتصدر الأول لجميع أنواع الجرائم والانتهاكات بنسبة تصل مع حلفائه من القوات الروسية، التي تدخلت في أيلول عام 2015، إلى 80 بالمئة”.
وأضاف: “أما الطرف الثاني، فهو قوات حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو فرع حزب العمال الكردستاني والقوات المتحالفة معه، وفي بداية الانتفاضة الشعبية لم يكن يتم تمييزها عن القوات الحكومية، وفي بداية عام 2012، أصبحنا نميّز بينهما، وفي مطلع العام 2014، شكّل الحزب ما أُطلق عليه اسم (الإدارة الذاتية)، عمادها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي وهي: (وحدات حماية الشعب) و(قوات الأسايش)، وتصل نسبة ارتكابها للانتهاكات إلى 2 بالمئة”.
أما الطرف الثالث في ترتيب منتهكي حقوق الإنسان في سورية، فهو وفق الفاضل “قوات المعارضة السورية، والتي تشمل جميع فصائل المعارضة المسلحة كـ (الجيش الحر) و(الفصائل الإسلامية غير المتشددة)، وبدأت عملها في آب/ أغسطس 2011، بشكل مُتفرّق، ثم توسع شيئًا فشيئًا، وتبلغ نسبة ارتكابها للانتهاكات إلى حدود الـ 7%”.
وأضاف “هناك طرف رابع طبعًا، وهو التنظيمات الإسلامية المتشددة: وتشمل (جبهة النصرة سابقًا)، وهي فرع (تنظيم القاعدة) في سورية التي أُعلن عن تأسيسها في كانون الثاني/ يناير 2012، وكذلك تنظيم (الدولة الإسلامية – داعش) الذي أُعلن عن تأسيسه في نيسان/ أبريل 2013، وتنظيم (جند الأقصى)، وكل من يبايعهم، تصل نسبة ارتكابهم للانتهاكات إلى 9%”.
وأضاف إلى هذه الأطراف طرفًا خامسًا، وقال: “إنه قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية: وهو تحالف من مجموعة دول تقوده الولايات المتحدة، بهدف محاربة تنظيم (الدولة الإسلامية – داعش)، والذي بدأت أولى ضرباته في أيلول/ سبتمبر 2014، وتبلغ نسبة انتهاكاته قرابة الـ 2%”.
أصول التوثيق ووثوقيته
وفي ما إن كانت الشبكة تقوم بتوثيق انتهاكات النظام وفق القواعد والأصول المقبولة والمعتمدة من قبل المحاكم الدولية، قال الفاضل: “نحن منظمة حقوقية تقوم بإعداد تقارير وفق منهجية ومعايير، تُحاكي بشكل كبير منهجية لجان التحقيق الدولية، وهناك أعداد كبيرة من الحوادث، تمكّنا فيها من توثيق الجرائم بشكل شبه كامل، وهناك حوادث تمكّنا فيها من جمع أدلة ومعلومات بشكل أقل، وفي الوقت نفسه، هناك حوادث لم نتمكن من إصدار تقارير بشأنها؛ لأننا لم نحصل من وجهة نظرنا ومنهجيتنا على عدد كاف من الأدلة والقرائن”.
وعن إمكانية الاعتداد بهذه التوثيقات والتقارير دوليًا في وقت لاحق، قال: “نُحاول قدر الإمكان أن تكون التقارير الصادرة والأدلة التي نقوم بجمعها دقيقة إلى حد بعيد، بحيث تُقبل في المحاكم الدولية وحتى المحلية، وهذا أحد أهداف عملنا، محاسبة المجرمين وفقا لأدلة وحوادث بعينها، وبالتالي، يمكننا القول إن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تمتلك أرشيفًا واسعًا، بإمكان المحاكم الاعتماد عليه والاستفادة منه بشكل كبير؛ ما يسهل عملها ويسرع عملية محاسبة المجرمين وصدور الأحكام”.
ثلث المعارضة يلتزم القوانين
ونوّه رئيس الشبكة التوثيقية الحقوقية السورية بأن المعارضة لم ترتكب جرائم مُمنهجة ومكررة كالنظام، لكنّه شدد على ضرورة تطبيق العدالة على الجميع؛ كي يعم الاستقرار في سورية، وقال “نحن نشجع قادة المعارضة على النحو بهذا الاتجاه وعدم الخوف منه، لأن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد منهجية وواسعة وتشمل جميع أركان النظام، بخلاف التي ارتُكبت من قبل فصائل المعارضة، فهي في كثير منها ليست نمطية، كما أشارت إلى ذلك لجنة التحقيق الدولية، وكما أوضحنا ذلك في تقاريرنا، كما أن فصائل المعارضة لا تمتلك الهيكلية التراتبية والمركزية نفسها في صناعه القرار في كثير منها، أخيرًا فإن العدالة والمحاسبة يجب أن تشمل الجميع؛ كي يعم الاستقرار المجتمع”.
أكّد على أن نحو ثلث فصائل المعارضة السورية تلتزم بقوانين الحرب إلى حد جيد، وقال “في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، ألقيت محاضرة في إسطنبول حول الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني، وقد حضرها جميع الفصائل الرئيسة المعارضة في سورية، ولمست من خلال الاستماع والنقاش رغبة جدية لدى بعضهم في التوقيع والالتزام بالمعاهدات الدولية، وقد فعل بعضهم ذلك، وهناك من يلتزم منهم بقوانين الحرب إلى حد جيد، النسبة ليست كبيرة، ولم ينتشر هذا الوعي على النحو المطلوب، ولا أستطيع أن أحدد نسبة مئوية دقيقة لكنها في رأيي تقارب الثلث”.
وأضاف “مازال التحدي الأكبر الذي يواجه جميع فصائل المعارضة المسلحة في هذا الخصوص، هو عدم قدرتها على محاسبة ومحاكمة منتهك القانون الدولي الإنساني، وتقديم أنموذج مشرق للعالم أجمع، وأن تكون هذه المحاسبة جدية، وهناك بالتأكيد صعوبات عملياتية سوف تواجههم على صعيد انسحاب بعض العناصر من الفصيل الذي سوف يقوم بمحاسبة أفراده، لكنها بكل تأكيد سوف تكسبه شعبية كبيرة، لدى جمهور الثورة الذي خرج من أجل تطبيق مبادئ العدالة والكرامة، ونحن نشجع جميع فصائل المعارضة على القيام بذلك، وأن يكون هناك قسم مختص في كل فصيل من أجل محاسبة مرتكبي الانتهاكات، سواء المتعلق منها بحق المجتمعات التي يحكمونها، والتي تندرج ضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان، أو تجاه خصومهم في النزاع، والتي تندرج ضمن قانون الحرب”.
ولبعض القوى الكردية جرائمها أيضًا
وحول حقيقة انتهاكات ميليشيا (قوات سورية الديمقراطية) التابعة لأكراد سورية، وارتكابهم تطهيرًا عرقيًّا، قال “إن قوات سورية الديمقراطية لا تُمثّل المكون الكردي السوري، إنها مؤلفة بشكل رئيس من حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف عالميًا على قوائم الإرهاب، وقد قمع خصومه من المكون الكردي قبل غيرهم”.
وأضاف “لقد مارست هذه القوات ألوانًا متعددة من الانتهاكات، من بينها القتل خارج نطاق القانون، عبر عمليات القصف العشوائي عديم التمييز، إضافة إلى الاعتقالات التعسفية، كما ساهمت بشكل كبير في تشريد مئات آلاف الأشخاص من مساكنهم عندما خرجت من عفرين، وتقدمت باتجاه مناطق لا يوجد لها فيها أي حاضنة شعبية، بل تعدّها قوة قهر واغتصاب، كما حصل في تل رفعت وبلدات مختلفة من ريف حلب الشرقي، فقد احتلت مناطق تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة، ما جعل المجتمع السوري ينظر إليها على أنها عدو للثورة السورية، ومساندة للهدف الرئيس لنظام الأسد”.
وتابع: “أخيرًا، قامت هذه القوات بحصار مدينة منبج التي يسيطر عليها تنظيم (داعش) المتطرف، وقصفتها بشكل عشوائي في كثير من الأحيان، كما أنها تساهم في حصار أحياء حلب الشرقية جنبًا إلى جنب مع النظام السوري”.
وحول فائدة توثيق انتهاكات تنظيم الدولة الإسلامية، قال: “صحيح إننا لا نستطيع توثيق انتهاكات تنظيم الدولة الإسلامية، وضمن تنظيم (داعش) هناك العديد من الأفراد السوريين، لقد انضموا كما نعلم إلى التنظيم لأسباب عديدة، أبرزها فقدان الأمل والثقة بالمجتمع الدولي، حجم جرائم وعنف النظام السوري، خطاب التنظيم الديني المتشدد، وغير ذلك مما لا يتسع المقام ذكره، هؤلاء الأفراد لابد من محاسبتهم ضمن المحاكم الوطنية، نحن على يقين من أن المحاكم الدولية لا تستطيع محاسبة الجميع، لهذا لابد من إنشاء محاكم وطنية ومحاسبة أعداد أكبر من المجرمين، هذا أولًا، والأمر الآخر أن أحد الأهداف الرئيسة لما نقوم به في الشبكة هو حفظ التاريخ السوري، وعدم طمس الحقائق، يجب أن يعلم المجتمع من قصف أسواقه ومدارسه، ومن قتل أبناءهم واعتقلهم وارتكب الفظائع، وكل ذلك تحت ذريعة نشر الدين، وهذا يذكرنا بما حصل في أوروبا في العصور الوسطى”.
معوقات وعقبات
وعن دعم المنظمات الدولية لمثل هذا النوع من التوثيق، قال: “لقد تمكّنا عبر عمل يومي متراكم، منذ عام 2011، من كسب ثقة العديد من الأصدقاء في المنظمات الدولية، بدءًا من لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ومنظمة العفو الدولية، التي ساهمنا في إعداد العديد من التقارير والأخبار بالتعاون والتنسيق معًا، وهيومان رايتس ووتش، أيضًا ساهمنا بإعداد العديد من التقارير والأخبار، والتحالف الدولي لمسؤولية الحماية، منظمة مراقبة الذخائر العنقودية حول العالم، الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وكل ذلك موجود على المواقع الرسمية لهذه المنظمات، وذلك أكسبنا مصداقية عالية لدى الدول وصناع القرار ووسائل الإعلام، وهذا الدعم معنوي، ولا تُقدّم الأمم المتحدة ولا المنظمات الحقوقية الدولية دعمًا ماديًا”.
وعن أهم المعوقات التي تواجهها هذه المنظمات في عملها، قال “تُعدّ عمليات توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سورية من أصعب وأعقد العمليات على مستوى العالم، وفي ظل الأوضاع الأمنية وعمليات القصف اليومية الواسعة؛ وبالتالي، لا نتمكن من زيارة أغلب المواقع، ونعتمد على التواصل مع الناجين ومع الأهالي، ونعاني من قطع الاتصالات والإنترنت والمواصلات، وتواجهنا أيضًا في بعض الأحيان صعوبة في تحديد مرتكب الانتهاك، والصعوبة الكبرى الآن هي يأس المجتمع السوري من عمليات التوثيق، في ظل عدم تمكن منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة من إيقاف قتل أو اعتقال مواطن سوري واحد، على مدار ست سنوات، هذه هي القاعدة والاستثناءات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة”.
وفي ما يتعلق بأسباب عدم تمكّن منظمات المراقبة وحقوق الإنسان من رفع الملف لأي محكمة دولية، قال: “من غير المعقول في ظل النظام الشمولي السوري الحالي أن تتم محاكمة المجرمين في القضاء المحلي غير المستقل، الذي يتبع فعليًا لسلطة أجهزة الأمن، ولا يوجد حاليًا سوى خيار المحكمة الجنائية الدولية، وهنا تبرز العقبة الأساسية، كون النظام السوري غير مصادق على ميثاق هذه المحكمة، وبالتالي، فلا تعدّ مخولة لإصدار أي حكم قضائي بحقه، إلا إذا طلب مجلس الأمن ذلك من المحكمة، هنا تصبح المحكمة الجنائية الدولية مختصة، لكن مجلس الأمن منذ آذار/ مارس 2011، وحتى الآن، وبسبب أربعة فيتو روسي – صيني، يمنع بشكل صارخ إحقاق العدالة، على الرغم من أن مشروع القرار الفرنسي الذي قدم في أيار/ مايو 2014، نص على محاسبة جميع الأطراف المتورطة، وليس النظام السوري فحسب، لكن روسيا والصين رفضتا ذلك بشكل قطعي، هذا يرسل رسالة للنظام السوري أولًا أن يبقى مرتاحًا عندما تقلق الأمم المتحدة”.
وأضاف: “بكل تأكيد هناك خيارات أخرى غير المحكمة الجنائية الدولية، لكنها تعود بنا مجددًا إلى مجلس الأمن الذي يتحكم بمصير شعوب وبلدان العالم بشكل غير عادل وغير مسؤول، على سبيل المثال بإمكان مجلس الأمن إصدار قرار تشكيل محكمة خاصة، على غرار محكمتي يوغسلافيا في العام 1993، وراوندا في العام 1994، لأن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب من شأنها تهديد السلم والأمن الدوليين، وهو ما يمارس يوميًا بحق الشعب السوري، وهذه المحاكم الدولية الخاصة، يكون كل قضاتها من دول غير الدولة التي ارتكبت فيها الجرائم الدولية، وتكون مرجعيتها القانون الإنساني الدولي”.
وتابع “هناك خيارات خارج مجلس الأمن مثل اللجوء إلى الاتحاد من أجل السلم، وذلك وفقًا للقرار المؤرخ في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1950، بشأن الاتحاد من أجل السلام، ويمكن للجمعية العامة أن تنظر في الأمر بهدف رفع توصيات إلى الأعضاء لاتخاذ تدابير جماعية لصون السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما، لكنه لم يُطبق فعليًا إلا ثلاث مرات، وهو بحاجة إلى جدية عدد كبير من الدول، وتشكيل تحالف من أجل إنجاح ذلك”، وختم “أخيرًا هناك الاختصاص العالمي للمحاكم الوطنية، حيث يوجد عدد من السوريين يحملون جنسيات متعددة، من الممكن اللجوء لمحاكم بعض الدول التي تأخذ بالولاية العالمية لقضائها مثل سويسرا وإسبانيا وغيرهما، لكن معظم هذه الدول أصبحت قوانينها تشترط وجود المتهمين على أراضيها لإمكانية رفع الدعوى”.
وقال “نسعى لأن يُحاكم رموز النظام، وأن لا يفلتوا من العقاب، وهناك تحديات، وهناك مقايضات سياسية -بكل تأكيد- سوف تُعقد هنا وهناك، لابد لنا من أن نرفضها جميعًا، أما إذا قبل بها السياسيون فهذا شأنهم، أما نحن كمنظمة حقوقية مدافعة عن حقوق الشعب السوري، فلن نرضى أبدًا بذلك، نعم، قد يكون هناك تأجيل للمحاكمات حتى يستقر المجتمع، لكن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وحتى إن قبل بها السياسيون؛ فإننا سنلاحق المجرمين، بغض النظر عن ذلك، ونعد الدول التي تحتضنهم بمنزلة الدول المارقة الخارجة على القانون، وسوف نطالب الحكومات السورية المستقبلية بهذا”.
… https://geroun.net/archives/62