أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، اليوم الجمعة، تقريرها السنوي الثالث عشر حول ظاهرة الاختفاء القسري في سوريا، تزامناً مع اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري.
وذكرت الشبكة في تقريرها أن ما لا يقل عن 113,218 شخصاً، بينهم 3,129 طفلاً و6,712 سيدة، ما يزالون مختفين قسرياً على يد أطراف النزاع في سوريا منذ شهر آذار 2011، محذرة من عدم وجود أفق لإنهاء هذه الجريمة.
استمرار الاختفاء القسري في سوريا منذ 2011
أشار التقرير إلى أن ظاهرة الاختفاء القسري توسعت وانتشرت منذ انطلاق الحراك الشعبي في سوريا في آذار/مارس 2011، واستمرت بشكل متزايد لتصبح واحدة من أشد المآسي الإنسانية التي يعاني منها المجتمع السوري على مدار أكثر من 13 عاماً، حيث تركت هذه الظاهرة أثراً مدمراً على حياة المختفين قسرياً وعائلاتهم.
وأشارت الشبكة إلى أن النظام السوري استخدم الاختفاء القسري كأداة استراتيجية لتعزيز سيطرته والقضاء على خصومه، وأوضحت أن هذه الاستراتيجية نُفذت بشكل مدروس ومباشر، مستهدفة جميع المشاركين والنشطاء في الحراك الشعبي نحو الديمقراطية، خاصة في السنوات الأولى من الاحتجاجات، والتي شهدت أعلى نسبة من حالات الاختفاء القسري بهدف إضعاف وإنهاء الاحتجاجات المناهضة للنظام.
وذكرت أن ممارسات النظام توسعت لتشمل دوافع مناطقية وطائفية مع تزايد الاحتجاجات، بهدف ترهيب المجتمع ومعاقبته بشكل جماعي، ولم تكن هذه الممارسات الوحشية عشوائية، بل كانت جزءاً من منظومة قمعية متكاملة، نفذتها جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية بتخطيط من أعلى مستويات الدولة، مع تورط الجهاز القضائي الذي لم يقم بدوره في حماية حقوق المختفين قسرياً، بل ساهم في تسهيل وتغطية هذه العمليات.
توثيق حالات الاختفاء القسري
كما ذكرت الشبكة أنها منذ آذار 2011 عملت على رصد وتوثيق حالات الاختفاء القسري، وأنشأت قاعدة بيانات مركزية تضم معلومات وأدلة حول الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري في سوريا، حيث جمعت عشرات الآلاف من البيانات والوثائق التي دعمت تحقيقاتها وتحليلاتها، وكذلك تلك التي أجرتها الآليات الأممية والدولية في إطار الملاحقات الجنائية ضمن نطاق الولاية القضائية العالمية.
وأكدت الشبكة أن الإفلات المستمر من العقاب للجناة الرئيسيين أسهم بشكل كبير في ارتفاع أعداد المختفين قسرياً في سوريا منذ عام 2011 وحتى اليوم.
مسؤولية أطراف النزاع عن حالات الاختفاء القسري
وفقاً لقاعدة بيانات الشبكة ما يزال ما لا يقل عن 157,634 شخصاً، بينهم 5,274 طفلاً و10,221 سيدة، قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار/مارس 2011 وحتى آب/أغسطس 2024.
أما بالنسبة لحالات الاختفاء القسري، فقد وثقت الشبكة ما لا يقل عن 113,218 شخصاً، بينهم 3,129 طفلاً و6,712 سيدة، ما يزالون مختفين قسرياً على يد مختلف أطراف النزاع منذ بداية الثورة في سوريا.
وتتوزع مسؤولية هذه الحالات بين عدة أطراف، حيث تتحمل قوات النظام السوري مسؤولية اختفاء 96,321 شخصاً، بينهم 2,329 طفلاً و5,742 سيدة.
كما وثقت الشبكة اختفاء 8,684 شخصاً على يد تنظيم داعش، بينهم 319 طفلاً و255 سيدة، و2,246 شخصاً على يد “هيئة تحرير الشام”، بينهم 17 طفلاً و32 سيدة.
واختفاء 2,986 شخصاً على يد المعارضة المسلحة – الجيش الوطني، بينهم 261 طفلاً و574 سيدة، بينما كانت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مسؤولة عن اختفاء 2,981 شخصاً، بينهم 203 أطفال و109 سيدات، بحسب الشبكة.
ارتفاع حالات الوفاة بين المختفين قسرياً
تشير هذه الإحصائيات إلى أن النظام السوري قد اعتقل القسم الأكبر من المواطنين السوريين، وغالباً ما يتحول المعتقل إلى مختفٍ قسرياً بعد فترة وجيزة من اعتقاله. وقد أدى ذلك إلى أن النظام يتحمل المسؤولية الأكبر عن حالات الاختفاء القسري، حيث تمثل 85% من إجمالي الحالات، مما يؤكد أن هذه الممارسة منهجية ومتكررة، وترتكب على نطاق واسع بحق عشرات الآلاف من المعتقلين، مما يجعلها تشكل جرائم ضد الإنسانية.
كما سجلت الشبكة وفاة ما لا يقل عن 1,634 شخصاً مختفين قسرياً، بينهم 24 طفلاً و21 سيدة و16 من الكوادر الطبية، حيث تم تسجيلهم كمتوفين في دوائر السجل المدني منذ مطلع عام 2018 وحتى أغسطس 2024.
ولم يُذكر سبب الوفاة، ولم تُسلَّم الجثث إلى ذويهم، ولم يُعلن عن الوفاة في وقتها. وتضمنت هذه الحصيلة أربع حالات تم التعرف عليها من خلال الصور المسربة من المشافي العسكرية التابعة للنظام. وأظهرت البيانات أن العدد الأكبر من حالات الوفاة المسجلة كان في عام 2014، يليه عام 2013 ثم 2015.
استهداف اللاجئين العائدين
ذكر التقرير أن قوات النظام السوري استهدفت بعمليات الاختفاء القسري، منذ مطلع عام 2024، لاجئين أعيدوا قسراً من لبنان، بالإضافة إلى لاجئين عادوا من الأردن عبر “معبر نصيب” في جنوبي محافظة درعا، ومطار دمشق الدولي، حيث تم اقتياد معظم هؤلاء اللاجئين إلى مراكز الاحتجاز الأمنية والعسكرية في محافظتي حمص ودمشق.
كما وثقت الشبكة اعتقال ما لا يقل عن 156 شخصاً من اللاجئين الذين أُعيدوا قسراً من لبنان، بينهم 4 أطفال و3 سيدات.
وأشار التقرير أيضاً إلى أن “قسد” استخدمت الاختفاء القسري خلال عام 2024 كأداة لقمع أي معارضة سياسية أو اجتماعية، ولتعزيز سيطرتها الأمنية على المناطق التي تسيطر عليها، وقد أنشأت “قسد” مراكز احتجاز سرية منعت المحتجزين فيها من أي شكل من أشكال التواصل مع العالم الخارجي، وتُظهر البيانات أن هذه القوات استخدمت ذريعة الانتماء إلى تنظيم “داعش” وتهديد الأمن والإرهاب بشكل واسع لتنفيذ عمليات الاحتجاز.
دور التحالف الدولي في عمليات الاختفاء القسري
أضاف التقرير أن قوات التحالف الدولي شاركت في بعض من هذه العمليات، والتي شملت أطفالاً ونساء وأشخاصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، بذريعة “عدم إبلاغ السلطات”، بهدف فرض سيطرتها ونشر الخوف في المناطق الخاضعة لها.
وتم إجبار المحتجزين خلال التحقيقات على الاعتراف بأعمال لم يرتكبونها، وتعرضوا للتعذيب والتهديد، ومنعوا من التواصل مع محاميهم سواء أثناء التحقيق أو عند إحالتهم للمحاكمة.
الاعتقالات التعسفية من قبل “هيئة تحرير الشام” والجيش الوطني
كما وثقت الشبكة اعتقال واحتجاز ما لا يقل عن 92 شخصاً في مراكز احتجاز تابعة لهيئة تحرير الشام، وذلك على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات المناهضة لها، وذلك خلال الفترة من يناير إلى يونيو 2024.
كذلك قامت فصائل الجيش الوطني بتنفيذ عمليات اعتقال واحتجاز تعسفي وخطف لم تستثنِ النساء، وغالباً ما كانت هذه العمليات جماعية، واستهدفت أشخاصاً قادمين من مناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة “قسد”.
ووثقت الشبكة حالات اعتقال واحتجاز على خلفية عرقية في مناطق سيطرة الجيش الوطني بمحافظة حلب، خاصة في قرى تابعة لمدينة عفرين. وأشارت إلى أن معظم هذه العمليات تمت دون إذن قضائي أو مشاركة الشرطة، وهي الجهة المخولة بتنفيذ الاعتقالات عبر القضاء، ودون توجيه تهم واضحة.
وسجلت الشبكة حالات اعتقال نفذتها عناصر الجيش الوطني استهدفت مدنيين بزعم التعامل مع “قسد”.
وخلص التقرير إلى أن النظام السوري يواصل عمليات التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، حيث لا توجد أي مؤشرات على استجابة النظام لقرار التدابير المؤقتة الصادر عن محكمة العدل الدولية.
توصيات
في ضوء هذه الانتهاكات، أوصى التقرير مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة باتخاذ إجراءات لحماية عشرات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً لدى النظام السوري من التعذيب والموت، والعمل على إنقاذ من تبقى منهم على قيد الحياة.
كما دعا محكمة العدل الدولية إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة بحق النظام السوري، مؤكداً أن هذه القضية تمثل اختباراً لمصداقية المحكمة وسلطتها، وتستوجب اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لضمان تحقيق العدالة والمساءلة.
وأكد التقرير على ضرورة أن يصدر مجلس الأمن قراراً ملزماً يطالب بوقف التعذيب المنهجي الذي يرتكب كجرائم ضد الإنسانية، ويدين انتهاك النظام السوري لقرارات المحكمة الدولية.