شن النظام السوري، في فجر 21 آب/ أغسطس 2013، قرابة الأربع هجمات بالأسلحة الكيميائية على مناطق مأهولة بالسكان في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية (بلدة معضمية الشام) في محافظة ريف دمشق.
واستخدم النظام، ما لا يقل عن 10 صواريخ محملة بغازات سامة، تُقدر سعة الصاروخ الواحد بـ 20 ليترا، أي أن المجموع الكلي 200 ليتر، بحسب توثيق للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وأشارت الشبكة، إلى أن تنفيذ الهجوم بعد منتصف الليل يلفت إلى وجود “نية مبيتة ومقصودة لإبادة أكبر عدد ممكن من الأهالي حين تباغتهم الغازات وهم نيام؛ الأمر الذي يخفض من فرص النجاة؛ كما أن مؤشرات درجات الحرارة تلك الليلة كانت تشير إلى انخفاضها بين الساعة الثانية والخامسة فجرا؛ ما يؤدي إلى سكون الهواء، وبالتالي عدم تطاير الغازات السامة الثقيلة، وبقائها قريبة من الأرض”.
وأوضحت الشبكة، أن ذلك يؤكد وجود نية وتخطيط دقيق لدى النظام السوري يهدف إلى إبادة أكبر قدر ممكن من الشعب السوري الذي طالب بتغيير حكم العائلة وخرج عن سيطرته ورغبات الأجهزة الأمنية.
وأسفرت المجزرة عن مقتل أكثر من 1119 مدنيا بينهم 99 طفلا و194 سيدة، فضلا عن إصابة 5935 شخصا بأعراض تنفسية وحالات اختناق، وفقا لتوثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
ولم تكن مجزرة ريف دمشق أول مرة يستخدم بها السلاح الكيماوي ضد المدنيين، إلا أنها “كانت أكبر استخدام للسلاح الكيميائي في العصر الحديث وخاصة بعد دخول اتفاقية حظر الأسلحة عام 1997 حيز التنفيذ”، بحسب حديث الناشط الحقوقي والموثق للهجمات الكيميائية في سوريا.
وتوضح الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن حصيلة مجزرة غوطتي دمشق، تشكل نحو 76 بالمئة من إجمالي الضحايا الذين قتلوا بسبب الهجمات الكيميائية التي شنّها النظام السوري منذ كانون الأول/ يناير عام 2012 حتى آخر هجوم موثق لديها في ريف اللاذقية في أيار/ مايو عام 2019.
عضو الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يمن حلاق، قالت في حديث مع “عربي21″، إنه “من المخيب للآمال أنه بعد كل الانتهاكات والمجازر التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري، لم يكتف العالم بتمكنيه من الإفلات من العقاب بل وسعى لمكافأته أيضا من خلال جهود التطبيع التي آتت أكلها في السنوات الأخيرة ولم تعد تقتصر على الدول العربية، بل توسع نطاقها لتشمل بعض الدول الأوروبية كذلك”.
وأضافت أنه “على الرغم من هذا نحن مستمرون في الشبكة السورية لحقوق الإنسان بتوثيق جميع انتهاكات النظام من جهة، والتذكير المستمر بها من جهة ثانية، ونؤمن أن ما نقوم به يعتبر خطوة أولى باتجاه المحاسبة ويضمن عدم ضياع حقوق الضحايا مستقبلا في حال حصلت تحركات جدية باتجاه المحاسبة”.
وحول مساعي تحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة النظام السوري، أشارت حلاق إلى أن “الجهود المبذولة في سياق مسارات المساءلة والمحاسبة التي تضمن تحقيق العدالة للضحايا، لا تزال متواضعة للغاية مقارنة بحجم الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري”.
و”يعود ذلك إلى العديد من الأسباب أبرزها الدعم الروسي منقطع النظير الذي تقدمه روسيا للأسد من خلال استخدامها لحق الفيتو في مجلس الأمن ومنعها لتمرير أي قوانين قد تدين النظام وعرقلتها لتحويل الملف السوري للمحكمة الجنائية الدولية”، وفقا للباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يمن حلاق، أوضحت أن هناك العديد من الأسباب التي ساهمت في إفلات نظام الأسد من المحاسبة، بما في ذلك “الدعم الدولي الهائل الذي يتلقاه، لا سيما من حليفته روسيا التي تمتلك حق استخدام الفيتو في مجلس الأمن”.
وأضافت في حديثها لـ”عربي21″، أن “ما يزيد من تعقيد الأمر أيضا، الدعم العسكري الذي يتلقاه الأسد من الميلشيات المختلفة بما في ذلك الإيرانية، والدعم السياسي الذي حظي به مؤخرا نتيجة تهافت الدول العربية للتطبيع معه، أيضا رغبة تركيا وبعض الدول الأوروبية بإعادة العلاقات مع النظام”.
“هذا عدا عن العقبات القانونية المتمثلة بجهود المحاسبة الخجولة للغاية والتي لا ترتقي إلى مستوى الانتهاكات التي ارتكبها النظام، وكذلك عدم وجود قوى تنفيذية قادرة على إنفاذ الأحكام القضائية إن صدرت بحق النظام”، وفقا لحلاق.
وشددت الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، على أن “قدرة الأسد على الإفلات من العقاب خلال الـ13 عاما الماضية جعلته يواجه كل التوثيقات بلامبالاة تامة، يعني هو لا يأبه لا للتوثيقات ولا حتى للقرارات الدولية التي اتخذت ضده منذ انطلاق الثورة السورية وحتى اليوم”.
وأوضحت في ختام حديثها لـ”عربي21″، أن “النظام يتعامل مع التوثيقات الحقوقية والقرارات باستهتار شديد، لأسباب عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر التقدم العسكري الذي أحرزه منذ 2018 بدعم روسي وإيراني، ما شجعه على التعامل مع نفسه كمنتصر”.
“وعلى الجانب الآخر، لدينا فشل سياسي للمعارضة السورية، بالإضافة إلى وجود مناخ عام من التراخي والتخاذل الدولي تجاه جرائم النظام وهو ما شجعه على التمادي في جرائمه وشجع كذلك دولا عديدة لمكافأته عن طريق التطبيع وإعادة العلاقات معه”، حسب تعبير حلاق.