أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً بمناسبة الذكرى التاسعة لانطلاق الثورة السورية، استعرضت فيه حصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان، موثقة مقتل أكثر من 226 ألف مدني.
ووثّقت الشبكة مقتل226247 مدنياً، بينهم 29257 طفلاً، و16021 سيدة (أنثى بالغة) منذ آذار/ 2011، 91.36 % منهم قتلوا على يد قوات النظام وروسيا، وتفوق نسبة الضحايا من الأطفال والسيدات إلى المجموع الكلي للضحايا حاجز 18 % وهي نسبة مرتفعة جداً وتُشير إلى تعمُّد النظام وروسيا استهداف المدنيين.
ولفت التقرير إلى أن نظام الأسد وقواته واجهت مطالب الحراك الأساسية باستخدام الرصاص الحي مباشرة وقتلت وجرحت عشرات السوريين على مدى الأسابيع اللاحقة، كما شنَّت حملات اعتقال طالت عشرات آخرين، ومارست بحقهم أبشع عمليات التعذيب، وتحول قسم منهم إلى مختفين قسرياً، وبعد عدة أشهر ارتفع سقف المطالب نحو التغيير السياسي عبر انتخابات نزيهة خالية من سطوة الأجهزة الأمنية التي ضمنت سيطرة عائلة الأسد على سوريا منذ عام 1970.
وعزا التقرير ظهور التنظيمات الإسلامية المتطرفة مع بداية عام 2012 وظهور قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في بعض المناطق في محافظة الحسكة إلى الفشل الدولي في حماية المجتمع الذي طالب بالحرية والكرامة والتغيير السياسي نحو التعددية والديمقراطية.
وقال فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “لا يمكن للمجتمع السوري ولا للدولة السورية أن تستقر في ظل بقاء النظام السوري وقد بلغت ضحاياه الملايين من الشعب السوري، والذين يرغبون بمحاسبته، سوف نستمر في الدفاع عن حقوق السوريين في المطالبة بتغيير سياسي نحو نظام ديمقراطي يحترم الشعب السوري ويدافع عن حقوق الإنسان وكرامة المواطن السوري، ويجب على الدول التي تدعم وتحاول إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية وغيرها من المنصات الدولية والتجارية أن تشعر بالخزي والعار أمام الضحايا الذين خلفهم هذا النظام المتوحش والمتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.
الاعتقال والاختفاء القسري
وقدَّم التَّقرير إحصائية تتحدث عن129989 شخصاً لا يزالون قيدَ الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية التَّابعة للنظام حتى آذار/ 2020. في حين أن ما لا يقل عن 3087 شخصاً لا يزالون قيدَ الاعتقال أو الاختفاء القسري في سجون قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وأشارَ التقرير إلى أنَّ تنظيم الدولة لجأ إلى تطبيق سياسة الاعتقال التَّعسفي والإخفاء القسري بحقِّ المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرته ونفَّذ عمليات اختطاف جماعي بحق مدنيين في أثناء هجماته على مناطق خارج سيطرته واتخذهم رهائن، وسجل التقرير اعتقال التنظيم ما لا يقل عن 8648 شخصاً منذ تأسيسه حتى آذار/ 2020 في حين ذكر أن ما لا يقل عن 2057 شخصاً لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد هيئة تحرير الشام حتى آذار/ 2020.
وجاءَ في التَّقرير أنَّ فصائل في المعارضة العسكرية نفَّذت عمليات اعتقال بحقِّ المدنيين بعد اقتحام مناطق تخضع لسيطرة قوات النظام أو في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وطبقاً للتقرير فإن 3044 شخصاً لا يزالون قيد الاحتجاز أو الاختفاء القسري في سجون فصائل في المعارضة المسلَّحة حتى آذار/ 2020
القتلى تحت التعذيب
وذكر التقرير أنَّ قوات النِّظام لجأت إلى استخدام أنماط وأساليب متنوِّعة من التَّعذيب بحقِّ جميع المحتجزين لديها، مُشيراً إلى أنَّ14221 شخصاً قُتِلوا بسبب التَّعذيب في سجون النظام السوري حتى آذار/ 2020.
وبحسب التقرير فإن تنظيم الدولة مارس صنوفاً مختلفة من أساليب التعذيب في أثناء التَّحقيق مع المحتجزين لديه لانتزاع معلومات منهم أو بدافع الانتقام ونشر الخوف وترهيب بقية المحتجزين والمدنيين، وبلغت حصيلة ضحايا التعذيب في سجونه ما لايقل عن 32 شخصاً، في حين أنَّ 25 شخصاً قضى بسبب التَّعذيب لدى هيئة تحرير الشام حتى آذار/ 2020، وقتلت قوات سوريا الديمقراطية ما لا يقل عن 50 شخصاً بسبب التَّعذيب حتى آذار/ 2020، بينما سجل التقرير ما لا يقل عن 43 شخصاً قتلوا بسبب التَّعذيب حتى آذار/ 2020 لدى جميع فصائل المعارضة المسلحة.
الحصار
وبحسب تقرير الشبكة السورية فإنَّ قوات النِّظام اتَّبعت سياسة فرض الحصار على المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل في المعارضة المسلحة، ومنعت وصول الغذاء والدواء؛ ما أدى إلى مقتل 920 مدنياً، بينهم 405 أطفال، و189 سيدة (أنثى بالغة) منذ آذار/ 2011 مضيفاً إلى أنَّ تنظيم الدولة أيضاً اتَّبع الأسلوب ذاته في مدينة دير الزور، ومخيم اليرموك جنوب مدينة دمشق، وذكر التقرير أن العديد من المناطق شهدت انتهاء الحصار بسبب استعادة النظام سيطرته عليها بعد تهجير أهلها وإجلائهم باتجاه مناطق الشمال السوري، إلا أنَّ مخيم الركبان الواقع على الحدود السورية الأردنية لا يزال يخضع لحصار يعتبر النظام أحد أهم أسبابه، كما أشار التقرير إلى الحصار الذي فرضته قوات سوريا الديمقراطية على آخر معاقل التنظيم في منطقة هجين، تسبَّب في مقتل 33 مدنياً، بينهم13 طفلاً.
الهجمات الكيميائية والأسلحة المحرمة دولياً
وسجّل التقرير قرابة 222 هجوماً بأسلحة كيميائية نُفِّذَ في سوريا منذ أول استخدام موثق لها في كانون الأول/ 2012 حتى آذار/ 2020، نفَّذَ نظام الأسد 217 هجوماً منها؛ تسبَّبت في مقتل ما لا يقل عن 1510 أشخاص، في حين نفَّذ تنظيم الدولة خمس هجمات.
واستُخدمت الذخائر العنقودية في سوريا ضمن ما لا يقل عن 492 هجوماً منذ آذار/ 2011، منها 248 على يد قوات النظام ، و236 هجوماً على يد القوات الروسية، وثماني هجمات سورية/ روسية، في حين سجَّل التقرير إلقاء سلاح الجو التابع للنظام قرابة 81916 برميلاً متفجراً منذ أول استخدام موثق لاستخدام هذا السلاح في 18/ تموز/ 2012 حتى آذار/ 2020.
ووفقَ التقرير فقد تمَّ تسجيل 171 هجوماً بأسلحة حارقة على مناطق مدنيَّة سكنيّة، 125 منها نفَّذتها القوات الروسية، و41 هجوماً نفذتها قوات النظام، وخمس هجمات نفَّذتهما قوات التَّحالف الدولي، وجميع الهجمات وقعت في أحياء سكنية.
النازحون والمهجرون قسراً
وأشار التقرير إلى أنه في ظلِّ انتشار فيروس كورونا الجديد COVID-19 في العالم أجمع فإنَّ وضع النازحين السوريين يعتبر من أكثر الأوضاع هشاشة في العالم، كما أشار إلى تأثير هذا الوباء على المعتقلين السوريين المهددين بخطر العدوى بسبب الظروف الصحية السيئة في مراكز الاعتقال.
وطبقاً للتقرير فقد شهدت الأعوام الأخيرة تدفق مئات آلاف النازحين من مختلف مناطق سوريا، حيث أجبرت العمليات العسكرية التي قادتها قوات الحلف السوري الروسي الإيراني، والهدن والاتفاقات التي فُرضَت على المدن والبلدات المحاصرة، والتي تُخالف في مضمونها القانون الدولي الإنساني، أجبرت مئات الآلاف من الأشخاص على ترك منازلهم، وذكر التقرير أنَّ ما يقارب 15.2 مليون شخص تعرَّض للتَّشريد القسري منذ آذار/ 2011، بينهم 9 ملايين شخص جرى تشريدهم داخل سوريا، كما تشرَّد قرابة 6.2 ملايين لاجئ خارج سوريا، وبحسب التقرير فقد ظلَّت قوات الحلف السوري الروسي هي المسؤول الأكبر عن عمليات التشريد القسري.
وأكَّد التقرير أنَّ أطراف النزاع في سوريا انتهكت مواد القانون الدولي الإنساني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة حيث إنَّ معظم عمليات الهجمات وحوادث الانتهاكات التي نفذتها كانت موجهة بشكل أساسي ضدَّ أفراد مدنيين. كما أنَّ قسماً كبيراً من الحوادث قد تسبَّبت في حدوث خسائر طالت أرواح المدنيين أو إلحاق إصابات بهم أو في إلحاق الضَّرر بالأعيان المدنيَّة، وتُشكِّل كثير من الهجمات جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب بحسب التقرير.
وأوصى التقرير أعضاء مجلس الأمن بالتَّوقف عن استخدام حق النقض لحماية النظام، الذي ارتكب على مدى تسعة أعوام مئات آلاف الانتهاكات، التي تُشكل في كثير منها جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب كما قدم توصيات أخرى إلى المجتمع الدولي والحكومة الروسية وقوات التحالف الدولي، وطالبَ التقرير أطراف النزاع بالالتزام بقواعد القانون العرفي الإنساني، وقرارات مجلس الأمن، وتحييد المدنيين، وإطلاق سراح المحتجزين والرهائن، وإيقاف التَّعذيب والكشف عن مصير المختفين والمفقودين، ورفع الحصار.